الاثنين، 7 مايو 2012

أمضى حياته مابين الرحم والصندوق


خرج من رحم أمه ليبقى متقوقع داخل رحم الحياة ، مكبل لايرى سوى العدم ولا يمارس الا الوحدة ، تعلم ما علمته اياه أمه مجبراً ولم يحاول مرة أن يطلب العون أو يفتش عن المجهول، منذ البداية وهو مكتفي ذاتياً لا يلقي بأي بذور جديدة ولا يرغب في مراقبة شجيرات الآخرين ، قناعته تتلخص في أن الحياة تعاقبه نيابة عن جميع الخلق ، لم يؤمن بأن الوازرة لا تزر وزر الأخرى ، أخبره الجميع بان العدالة الإلهية أكبر مما تتصور ولكنه كفر ، حاول الجميع أن يشده نحو الخارج ولكنه كان يرفض وبشدة ، متشبث بجدران الداخل غير آبه بكل التقنيات الحديثة والتقلبات بالخارج .




جاء عمه ليشرح له أن العيش داخل الصناديق طويلاً يمكن أن يؤدي إلى تلف يصعب علاجه ولكن وصاياه لم تحرك ساكناً ، اتركوني فلن أخرج حتى وإن زارني نبي .

مرعازف قانون كانت أمه قد استأجرته بنية تحفيف وطأة الوحدة عن ابنها ، كلما مضى الوقت كلما زاد العزف سحراً ، عزف له كما لم يعزف في حياته، استدعى عازف الناي ليحل محله في النصف الأخير من الليل وقام الأخير بإثارة حنين جميع سكان المنطقة فأخرج الأغلبية رؤوسهم من النوافذ ليتلذذوا بذلك العزف الملائكي ، لم يغير وضعيته ،مستلق بهدوء، شاخص البصر وكان ملك الموت يأبى أن يفشي له السر الأعظم .


هل يمكنني الدخول أحضرت لك الكعك والشاي ، هل أدخل ؟

لم يجيب ولم تصر .


لا تعترضي ، تعلمين حاله وطباعه منذ أن جاء إلى الحياة وهو يفضل أن تأكل معدته جدرانها على أن يشاركنا الطعام .



اشترى له أخوه زوجين كناري،

ركل القفص بقدميه : تسلب منهما حريتهما كي تسليني ، تباً لكم أيها الأوغاد ، أخذ الزوجين يصيحان وأستمر هو في لعن الحياة وصنف بني البشر ، عادت أخته بعد ان سمعت صراخه الهيستيري ، هذه المرة قررتُ أن ازورك ختى وان لم تسمح لي بالدخول ،تركت على جبينه قبلة وقالت له بصوت دافيء : أنني اعرف اسباب ما أنت فيه، لا تقلق ولا تهتم بما يقولون يكفيك أن الله يسمعك ويعلم ما تخفيه بين جنبات قلبك الضعيف ، احبك كثيرا ًوأقدر رغبتك في مغادرة الحياة وعدم تقبلك لكل ما تقدمه من أجلك .



أذكر تلك الليلة المشئومة التي ماتت فيها جارتنا أمام عينيك وولم تستطع أن تمد لها يدك لتشدها بعيدا عن السيل ولكن أنا أكيدة بأنها لم تنكر عليك ذلك فلا ذنب لك بأنك جئت إلى العالم بلا يدين .

ولم أنسى تلك الفتاة الجميلة التي هزأت من مشاعرك حين أخبرتها بأنها جميلة فردت ضاحكة ( وكيف عرفت ذلك وأنت أعمى ؟!

وذلك الصبي الذي سأل أمه حين رآك ( لماذا يمشي هذا الرجل هكذا وكأنه كنغر )؟!



اعرف بانه لايمكنك اسقاط تلك المشاهد من ذاكرتك أبداً ولكن في الحياة يبقى دائماً شيء ما مختبيء خلف أسوارها ما إن نزيح الضباب حتى نراه بوضوح وحينها فقط تصبح الأشياء أجمل ويبدو الفرق واضحاً جلياً ..

أرجوك لا تلم الحياة على ذنوب لم تقترفها وساعدنا وساعد نفسك لتحيا بشكل أفضل

يكفيك انني اختك وأن المرأة الطيبة بالخارج أمك وأنك لازلت حي ولك قلب كبير ينبض

لا تنظر إلى هكذا ، اعرف بأنني اطلت زيارتي ساتركك الآن لتمارس وحدتك ولكن عاهدني بأن تخرج من الصندوق قريباً



هيا عاهدني

وضع منديله المبلل جانباً وقبلها بحرارة



وبعد أن سمع خطواتها تبتعد قال بصوت عال



أعاهدك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق