الأحد، 24 يونيو 2012

كاذبون كاذبون كاذبون




الحروف يعلوها شوك والسماء ملبدة بغيوم حمراء وكلاهما ينتظر أن يتطوع أحدنا لإعادة الأمور إلى نصابها ولكننا مشغولون بالسخرية من بعضنا والتفاخر بأننا من أنصار الديمقراطية مع أننا لا نحفظ تعريفها ولا نعرف كيف تتم ممارستها؟!


كل فريق منا اصدر صك مختوم وموقع يقر فيه أن الآخر فاجر داعر فاسق مجرم وخائن دون أن يخفف من وقع اتهاماته المقززة باستخدام كلمة (بعض) أو ان يشعر بدونية تلك الاتهامات الجماعية وان للاخر كامل الحق في ان يعتنق ما يريده من افكار وعقائد.


جميعنا كاذبون متغطرسون ونستحق ما يحدث لنا ،سيأتي اليوم الذي يسخر فيه التاريخ منا وتستعر الجغرافيا من أفعالنا وتلفظنا خارج خرائطها وتحينها ستصرخ اللغة لتؤكد لنا بان براقش جنت على نفسها وأنه ما من طريق للعودة .


ولأننا نقدس الأنا ولا نستخدم حواسنا وإدراكنا بالطريقة الصحيحة التي ترفع من شأننا وشأن أمتنا ،ستشهد نهايتنا كل الأمم وحينها سيحتفل التاريخ وتزغرد الجغرافيا وترقص اللغة على جثثنا التي تفوح منها رائحة العفن الفكري .

الثلاثاء، 19 يونيو 2012

الجدة الجليدية

كانت الايام متشابهة للغاية لا شيء يثير الشهية والشهوة ، كل الأشياء متصلبة مجمدة مملة مرتبة بطريقة مثالية ، لا شيء يبعث على الدفء  والحرارة ، وجوه وحيدة ومتوحدة ، لاضحك ولا حوارات عبثية ، لا مصاارحة ولا تصريحات عفوية ، الكل مشغول بالتنظيم والترتيب والتنفيذ ، الدقة والحذافير هي أساس كل شيء ،  لا تزحزحوا الطاولة ، خمسة سنتيمترات من اليمن وخمسة من الشمال ، الصوفا أيضاً في المنتصف تماماً ، كوب القهوة  مجرد قطعة ديكور لا يتم استخدامها إلا في النادر وللزوار وليس لساكني المنزل ، الوسادات مرصوصة بطريقة ترهق النظر والأعصاب ، الجميع نائم في سريره متلحف بغطاءه الصوفي ، الألوان موحدة  ، الشراشف بيضاء والأغطية سوداء ، الأحمر والبرتقالي ممنوع كلياً ، التلفاز يتساوى في حرمانيته مع تعاطي المخدرات، لا منومات ولا مهدئات ، لا تجاوز للحدود او انتهاكات للوقت ، في كل غرفة أربعة ساعات ومنبهين ، لا أصوات ولا روائح تحوم في المكان ، كل شيء يسير في السياق المحدد له ، وإن تجرأ أحدهم أيا كان ان يحيد عن النظام فإن فعلته قد ترقى إلى جريمة وعقوبته تكون مشددة للغاية ، الهدف من تلك الحياة العسكرية كما تدعي الجدة هو أن يلتزم الجميع بالنظام وأن لا تتسلل الفوضى إلى المنزل ، لم يكن أحد منهم مقتنع بما تفعله تلك المرأة تصرففاتها غريبة رغم انها سليمة من الناحية العصبية ولا تعاني من أي أمراض نفسية  ، ورغم انها تبدو للوهلى الأولى امراة طيبة متسامحة محبة للحياة إلا أن اطوارها وتصرفاتها وردات فعلها تنم عن خلل ما،  في البدء كانوا دائمي التمرد والاعتراض والسخرية ولكن ذلك كان منذ سنوات، كان الرفض والثورة شعار الجميع ، ولكن مع الوقت وكثرة المهاترات اصبح الجميع  ملتزم ، لقد كانت الزعيمة في البيت وخارجه وكان الكل دون استثناء مجبر على السمع والطاعة والاذعان خوفاً من العقوبة وطمعاً في الثواب خاصة وأنها تملك الملايين التي يفترض ان تورثها لهم ،كلٌ حسب انصياعه لها ، كانت تظن أنهم يلتزمون بكل ما تكتبه من شروط وينفذونه حرفياً حباً لها واعترافاً  منهم  بأنها كبيرة العائلة ، كانت تعطيهم كل اسبوع دروساً قاسية في الانصياع للأوامر والتزام الصمت وعدم محاولة الخروج عن الجماعة ، وكانو هم يستمعون بكل أدب رغم أنهم ساخطون على جميع ما تقوله .





 في احدى الليالي ، قام حفيدها الشاب بإحضار صديقة له كي يراجع معها دروسه ظناً منه بأن ذلك لا يخرج عن قوانين الجدة وأن الموضوع سيجلب لها السرور كونه مهتم بدروسه وتحصيله ولكن ما إن رأت معه تلك الفتاة الغريبة حتى سقطت في الأرض وأخذت تصرخ  بطريقة مفجعة
من هذه أيها المنحل ؟ من هذه أيها السافل ؟ يا وغد دمرت كل المنظومة التي تعبتُ على تأسيسها سنين طوال ، يا ملعون كل الحق على أبيك الذي تشبهه ويشبهك ،انت محروم من السكني والطعام لمدة عام، إياك وان تقترب من هنا أو ان تلتقي بأي من أفراد العائلة أيها الفاسد .

لم يعترض  أبداً لأنها كانت في حالة هستيرية أجبرته على أن يرفق بها ويجاريها ،لم يحاول ان يبرر أو أن يناقش أبداً ، وما إن دقت الساعة الخامسة دخل والده وهو يحمل في يده مزهرية صبار ، طرق بابها واستأذنها بان   يضع الصبار على الطاولة أومئت إليه بأنها موافقة وقبل أن يخرج أخبرته عن ابنه الداعر وطلبت منه أن يعيد تربيته وأن يرسله إلى إحداثية عل أخلاقه تتعدل ،  سأفعل كل ما تريدين ولكن اهدئي .
 هل يمكنني الخروج وإغلاق الباب؟ أومئت برأسها رافضة، ابقى هنا جانبي ، اريدك هنا يومين متتالين ، لا تحاول ان تطأ العتبة بقدميك وإلا سيكون مصيرك مصير ابنك ، يجب ان  أتأكد بأنك لا تمارس نفس ما يمارسه هو حسناً سأبقى هنا يومين ، يومين فقط  .

قامت من فراشها رغم أنه لم يكن موعد استيقاظها وهذا بحد ذاته حدث تاريخي ، استيقظ ليساعدها ويسند خطواتها ،دفعته بقوة وخرجت من الباب كمهرة في أوج  نشاطها ، لستُ بحاجة أحدكم يا ناكري المعروف وما ان نظرت إلى صورة الجد وسط الصالة حتى بكت بحرقة وسقطت على الأرض وهو يراقبها من بعيد ، ركض نحوها وقد اجتمع داخله شعور الدهشة نتيجة المشهد الأخير ولكنه كان مبتسماً راجياً من أعماق قلبه ان تكون  فترة التجنيد الإجباري انتهت ، نظرت إليه بحزن شديد وتحسست ملامح وجهه : كم تشبه والدك ياحبيبي ، لم يصدق ما سمع فتلك المراة الجليدية لم تتعامل معهم بلطف وحنان ومشاعر انسانية منذ ما يقارب أربعين عام ، لا تقسو على ابنك واطلب منه ان يعود الليلة لا تتركه ينام خارج عشك الدافيء ، لا تقس على أي منهم أنت القائد الآن ولكن لا تكرر ما كنتُ افعله معكم .


ملاييني لكم ولكنها لن تكفيكم وحدها ، مارسو إنسانيتكم وغيرو من شكل وألوان واماكن الأثاث إن شئتم ، واختارو لي قبر قريب من البحر وازرعو حوله زنابق حمراء ...

 اشربوا القهوة ولكن بعد  أن تنقضي أيام العزاء.

الجمعة، 1 يونيو 2012

أموت أحمقاً؟!

نقل عن الفيلسوف البريطاني برتراند راسل قوله حين سأله أحدهم
هل أنت مستعد أن تموت من أجل آرائك؟


أجاب الفيلسوف: لا !


تابع السائل: لماذا؟

راسل: قد أكون مخطئاً فأموت أحمقا


بعض الأفكار تبدو رائعة للوهلة الأولى ،ولكن حين يتم خبزها في فرن (لا يرحم) تزيد حرارته عن ال 400 درجة مئوية حتماً ستحترق ، وبعضها تبدو شهية وهي في مراحلها الأولى -مواد  خام - وبمجرد أن تختلط مع بعضها البعض  حتى تتغير معالمها كلياً و تصبح منفرة للعين والنفس،  أفكار أخرى يسيل لها اللعاب وهي مغلفة بألوان زاهية ، مدفونة بين أكوام من الثلج  وبمجرد خروجها من بينه تصبح مقززة ،وبعضها  غير قادر على تحفيز حاسة التذوق لدينا ولكن حاسة الشم تكون قد بدأت ممارسة اللعبة وتقوم بدورها ب حث العقل على تشجيع اللسان على القيام بمهمته و هكذا .

أحيانا تأخذنا العزة والانتماء المبالغ فيه لأرائنا الشخصية التي بنيناها على افتراضات ومشاعر شخصية لا على قرائن ودلالات ونكون مستعدين لأن نخسر أشخاص رافقونا الدرب سنوات طوال وأهدونا أجمل ما عندهم أو أن نحطم قصوراً من الأحلام أو ندهس أمم ونمضي غير آبهين فقط من أجل حزمة من الأراء

هي مجرد عصبية بلهاء قبلية لا مكان لها بيننا في هذا الزمان ولا هذا المكان ولكننا زرعناها بيننا وأخذنا نسقيها ونرعاها حتى أصبحت أشجار شيطانية في غابات سوداء تكاد تلتف سيقانها على أعناقنا وتفتك بنا .
لا يمكنني أبدأ ان انسى ذلك الحوار الذي بدا لطيفاً للغاية في أوله ...
كان الحديث هاديء تتخلله بعض المجاملات اللطيفة وخفة الظل اللامتناهية وفجاة  تحول مسار الحديث من الدائري إلى المستقيم  وأجبر كل واحد فينا على الإدلاء برأيه الشخصي ألقينا بكل شيء جانباً ، عبسنا ، صرخنا وبدأنا الحرب
يامدعي
 يا منافق
يا وصولي
يا .. لا شيء
 أنت لاشيء
ياقذر
أكرر انت وصولي
 كيف لمتعلم واع مثلك  أن يتبنى مثل هذه الأراء؟
 نادم أنا على معرفتك، خذ جميع هداياك وارحل عن قارتنا
لا أريد أن ارى ملامح  وجهك في شوارعنا حتى تغير أراءك
 يلقي هو عليك بحجارة الطريق وينعتك بالديكتاتور وتبدأ المقاطعة

وهاهو الحوار الذي كان حميمياً مشتعلاً بالعاطفة ينتهي بإشعال حريق ضخم

لا نهاية له .

هل تستحق أرائنا مهما كانت مقدسة أن ندافع عنها بتلك الوحشية ؟!
 حتى وإن كان الثمن حياتنا

وماذا إذا إن كانت تلك المسلمات خاطئة أو يعتريها شيء من الخطأ ؟
هل سنظل مسلحين على أتم الاستعداد  لدخول حروب أخرى من أجلها ؟
أم سنعترف بكل هدوء أننا كنا مخطئين ؟
ولكن حينها جميع ما خسرناه لن يكون قابل للاسترداد .
البشر اللذين كانو أقرب إلينا من انفسنا اختفوا ولن يعودوا
فكرتك ثبت أنها كانت خاطئة وحججك تم دحضها مع مرور الأيام وتوالي الوقائع .
مالذي جنيته قارن بين الغنائم وحجم الخسائر ، عد بشريط الأحداث إلى الوراء قليلاً وانظر لنفسك في المراة وانت تصرخ وتلعن وتسب وتقلل من شأنك من يتحدث إليك !

يمكن أن تصيب ويمكن أن تخطيء  لأنك لست قديس/ة  وحتى القديسين والأنبياء خطاءون
فلا تموتوا حمقى.

تقبل أراء الآخر إن أردت منهم أن يتقبلوا آراءك ولا تجبر الناس على ما لاتتقبل أن يجبروك عليه.
لا تتسرع وتخسر نصف الكون من أجل أراء ومعتقدات وفبركات لا مصدر لها سوى عقلك

 حتى وإن كانت حقيقة ولها مصادر موثوقة دافع عنها بعقلانية واحترم من يخالفها حتى ترقى وترتقي .