السبت، 8 سبتمبر 2012

عُبيدة آخر





وسط ذلك الحي البسيط والمباني القديمة والناس الطيبة التي يسري الحب في عروقها ووسط الوجوه الصافية المؤمنة التي لم تعرف للحقد طريقاً وبين البشر اللذين لم يشهدوا خوفاً ولم يلحظوا أبداً  مشاهد تنزع من قلوبهم الطمأنينة ، يقطن ذلك الفتى ابن التاسعة الذي لم تعرف البلدة طفلاً بجماله والذي لطالما كان يتباهى بحُسنه الآخاذ أمام أصدقائه وجيرانه في الحي وكانوا هم بدورهم يتقبلون ذلك بصدر رحب بل ويفخرون كونه واحد منهم وخرج من بينهم : بالفعل أنت أجملنا وما رأينا في حسنك فتى من قبل وأننا لنظن بأنه ما تخطاك أحد في العالمين إلا يُوسف  .

 رغم ما يقطر من غرور مع كل عبارة تخرج من فمه  ورغم أنه يسخر منهم واحداً واحد ، ذاك لأن شعره خشن والآخر لأنه أسمر والثالث لأن عيناه كعيني شبح  والأخير لأنه كسول لا نفع منه ،إلا أنه يحبهم كثيراً وهم أيضاً لا يخفون مدى تعلقهم به فهم لا يستطيعون بأي حال ان يبدأو يومهم دون ان يمرو به ودون أن يستمعوا إلى تعليقاته اللطيفة ، فقد كان خفيف الظل طيب القلب قريب من الجميع معطاء فلا تكاد تمر ساعة حتى يهديهم قطعة حلوى أو مشروب بارد أو حضن عشوائي، كل نهاية أسبوع يجتمعون في بيته ويحاولون أن يرسمونه ويفشلون ،اعتادوا أن يقف وسطهم كل مساء ويخبرهم بأنه الأجمل وأنه يتحدى أي أمٍ في الحي ان تنجب طفل مثله وإن فعلت فسينحر نفسه.

في ذلك اليوم  خرج ليجلب الحليب لأمه وبينما هو في الطريق وحده يتبختر كعادته سقطت على رأسه قذيفة وكأنها كانت ترصده هو تحديداً ، ركض الجميع ليستفسروا عن الصوت ومنهم  أصدقائه فلم يصدقوا ما رأوه !!
ركضوا باكين مشمئزين ليخبروا أمه بانه ابنها (صديقهم الأجمل) قد تحول من أبيض كالقمر إلى أسود متفحم وعيناه الرماديتان قد خرجتا من رأسه .

يجب عليكِ أن تنجبي لنا آخر يشبهه لأننا كنا نباهي الشام كلها فيه .
 لقد كان عبيدة مختلف تماماً عن أي طفل آخر، كنا دائماً نرى في نظرته لمعان يوحي بأن القادم أجمل ، لم نرى فتى مثله في طيبه وجمال وجهه وروحه .
 أرجوكِ نريد عُبيدة آخر ، يمكننا أن ننتظر تسعة أشهر ولكن ليس أكثر ، أرجوكِ.

لم يكادوا ينهون توسلاتهم ولم تكد هي تذرف أول دمعة حتى سقطت عليهم قنبلة أخرى وقضت عليهم جميعاً .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق